وعلى الضفة المقابلة، كانت التهديدات الآتية من العدو تهطل علينا مدوّنةً على أوراق تنذرنا بإنطلاق الإبادة والتدمير. فلم نكن ننتظر “بوستات” المتحدث باسم العدو ولا تهريجه المبرمج والمرتبط بغرفة عمليات إعلامية عامرة بفوضى التضليل من جهة وتأكيد المُبهم من جهة أخرى. حتى تفاعُلنا مع تلك الإنذارات كان شفوياً وغير مسموع من خلف جدار الفيسبوك أو أحد أشقائه.
أمّا في ما يتعلق بأنشطتنا اليومية، كانت تقتصر على بضعة نشرات إخبارية إلى جانب سهرات بسيطة فيها أحاديث عن الحنين إلى ما قبل الحرب والتأمل في ما بعد الحرب. فمع قلة وسائل التسلية، والإنقطاع نوعاً ما عن الأصحاب والأقارب، إلا أن جلساتنا لم تكن بمعزل عن نُتفٍ من التسلية في مشاهدة مسلسل من هنا وبرنامج من هناك لعلّ الوقت يمضي والحرب تنقضي.
أذكر أننا كنا نخلد إلى النوم ونحن على استعداد للإستيقاظ عند الثالثة فجراً، يومياً، على صوت ضربتين أو ثلاث، فعندما تقع الضربات، نشعل الضوء ونقول بصوت واحد “يا لطيف” ومن ثم نعود إلى النوم دون عناء متابعة الخبر العاجل على الواتس اب أو القفز فوق صفحات الفيس بوك والإنستاغرام لنرى من سبق الآخر في نشر صور الضربة. فلحسن حظنا أن ذاك القلق لم يكن متاحاً وقتذاك.
في تلك المرحلة، لم ننعم بوسائل إتصال متقدمة ولا بمصادر خبر متعددة، ولكن وبرغم ذلك، كان قلقنا أخف بالرغم من ضراوة ووحشية الحرب. فكثرة الأخبار وتدافعها يوتر أكثر من العيش تحت القصف. وأمضينا الحرب على عبارة سجيّة عرفيّة تقوم على فكرة “الخبر العاطل بيوصل بسرعة” حتى دون واي فاي.
محمد رشاد الحلبي