Scroll Top

في زمنٍ خلا من أفيخاي فاي

7-13-576x400-1.jpg (Demo)
ما إن نشبت حرب أيلول، والتهبت مفاصل الحياة في السواد الأعظم من الأراضي اللبنانية. حتى أطلّت ذكريات حرب 2006 بظلها، طارحةً أمامنا شذرات من مواقف ونشاطات يومية كنا نمارسها خلال أيام الحجر الحربي حينذاك. فقد كانت مسالك الحياة بسيطة بكل ما فيها من تهديدات وإنذارات بالإخلاء إلى أساليب الإطمئنان على بعضنا البعض، طبعاً دون أن ننأى عن متابعتنا للأخبار العاجلة والتوقعات الآجلة على لسان المحللين والخبراء التي كانت تقتصر على التغطيات التلفزيونية. في ذاك الزمن، نحن مواليد أوائل التسعينات، كنّا في غمرة سن المراهقة. وفي طبيعة الحال، لم يكن بمتناول أيدينا أي جهاز هاتف أو وسيلة إتصال على غرار جيل اليوم. فأذكر أنّ رفاقي وأنا كنا نتبادل “نصف رنّة” من هواتف أهالينا لكي نؤكد أننا بخير. فقد كان كلٌّ منا في حيّز جغرافي مختلف، بعيداً من براثن الإعتداءات الإسرائيلية. ومن المعلوم، أنه في تلك الحقبة لم تكن منصات التواصل الإجتماعي قد بلغت الحلم. لذا، كان من الصعب الإطمئنان بأكثر من رنّة قصيرة. فاليوم، يمكننا التواصل مع بعضنا البعض عبر منصات وتطبيقات مهولة، تتناسل وتتطور كل لحظة. وبفضل هذه الوسائل، أصبح بإمكاننا أن نتأكد بأن أقراننا بخير لمجرد ملاحظة نشرهم المستمر لملصقات ومنشورات. فأنا شخصياً، أطمئن بأن العزيزين على قلبي بخير لمجرد رؤية “إعجاب” من قِبلهم على منشور معين أو تعليق على صورة متداولة على متن الإنستاغرام أو فيسبوك.
وعلى الضفة المقابلة، كانت التهديدات الآتية من العدو تهطل علينا مدوّنةً على أوراق تنذرنا بإنطلاق الإبادة والتدمير. فلم نكن ننتظر “بوستات” المتحدث باسم العدو ولا تهريجه المبرمج والمرتبط بغرفة عمليات إعلامية عامرة بفوضى التضليل من جهة وتأكيد المُبهم من جهة أخرى. حتى تفاعُلنا مع تلك الإنذارات كان شفوياً وغير مسموع من خلف جدار الفيسبوك أو أحد أشقائه.
أمّا في ما يتعلق بأنشطتنا اليومية، كانت تقتصر على بضعة نشرات إخبارية إلى جانب سهرات بسيطة فيها أحاديث عن الحنين إلى ما قبل الحرب والتأمل في ما بعد الحرب. فمع قلة وسائل التسلية، والإنقطاع نوعاً ما عن الأصحاب والأقارب، إلا أن جلساتنا لم تكن بمعزل عن نُتفٍ من التسلية في مشاهدة مسلسل من هنا وبرنامج من هناك لعلّ الوقت يمضي والحرب تنقضي.
أذكر أننا كنا نخلد إلى النوم ونحن على استعداد للإستيقاظ عند الثالثة فجراً، يومياً، على صوت ضربتين أو ثلاث، فعندما تقع الضربات، نشعل الضوء ونقول بصوت واحد “يا لطيف” ومن ثم نعود إلى النوم دون عناء متابعة الخبر العاجل على الواتس اب أو القفز فوق صفحات الفيس بوك والإنستاغرام لنرى من سبق الآخر في نشر صور الضربة. فلحسن حظنا أن ذاك القلق لم يكن متاحاً وقتذاك.
في تلك المرحلة، لم ننعم بوسائل إتصال متقدمة ولا بمصادر خبر متعددة، ولكن وبرغم ذلك، كان قلقنا أخف بالرغم من ضراوة ووحشية الحرب. فكثرة الأخبار وتدافعها يوتر أكثر من العيش تحت القصف. وأمضينا الحرب على عبارة سجيّة عرفيّة تقوم على فكرة “الخبر العاطل بيوصل بسرعة” حتى دون واي فاي.
محمد رشاد الحلبي

Leave a comment